قبلة وداع
مضى وقت لا يمكنني تمييزه، يبدو من ملمس لحيتي أني تحوّلت إلى وحش بشري، رموني في الزنزانة ونسوني كل ذنبي صفحة فايس بوك فيها تواصل بيني وبين ابن عمي الذي عرفته قبل سنوات فقط، ما ذنبي إن كان إرهابيا، أنا لا أنتمي إلى أي تيار حتى أنني لا أفقه السياسة، سافر لبلاد عربية للقتال وكان سيساعدني في فتح مشروع.... غير مهم ما حدث لي ما يحيّرني هذه المذكرات التي وجدتها بجزأيها؛ ثمانين صفحة تحت السرير عثرت عليها بعد صعقي بالكهرباء، وأربعين مكمّلة أسفل حوض الحمام، جميعها يحمل مآسي وطن، معاناة مسكين في هذه الزنزانة قبل عشرين سنة، كتب كل شيء ... وضع خرائط لوثائق مهمة وسرية خارج الزنزانة... يرسل رسائل، لكن هل هي نافعة بعد عشرين سنة، لا أظن... ما شدّني في مذكراته الضاوية ابنته بالتبنّي كم هي رائعة في أوصافها وصورتها التي رسمها في الصفحة الحادية عشرة... أما باقي الأوراق كلها فضْح لوضعنا ومن يسرق بلادنا... تحكمنا الغيلان شيء مخيف أن تكتشف قبْح العالم وزيْف الشعارات كل شيء كذب ونفاق حتى دعمنا لقضايانا، جهادنا ... كل شيء مدفوع أجره وهو لهدف مسطّر سلفا ... نحن ندفع الثمن اليوم ولا أحد يبالي،الكلّ تم تدجينه، في زنزانتي الانفرادية تعلّمت الكثير خصوصا من الكتب التي قرأتها، وفتحة التهوية الوحيدة في الزنزانة التي تنقل لي أخبار السوق والعباد أسمعهم دون أن يسمعوني، إنه مكر السلطة في تصميمهم لهذه الزنزانة التي يبدو أنها كانت غرفة للمراقبة في الماضي، أكيد سجن الكثير قبلي فيها، لكن يظهر أن أهم سجين صاحب المذكرات التي وجدتها، صفحي بائس مات دون أن يعرف به أحد رغم أن أخاه كان وزيرا ههه، تكلّم في مذكراته عن كل شيء يخص البلاد، كان السوق وما يسمعه من كلام الناس مصدره الوحيد للمعلومات، لم يتغيّر شيء فأغلب ما تكلّم عنه مازال يحدث، الغش، وسرقة المال العام، صفقات لشركات أجنبية... البارحة سمعت الناس في السوق تتكلم على الدواء المغشوش وصفقة اللقاح وفضيحتها، الوزير وبلاطه متورطون بالكامل لا تهمهم أرواح الآلاف خصوصا الأطفال، لم يحدث شيء، تغيير وزاري يتم فيه عزل الوزير وتعيين مفسد جديد، والعزل ليس بسبب الغش والفساد بل بسبب عدم القدرة على التخفي بعد الفساد، المهم أن لا يعرف أحد بأمرك، وإن عرفوا ستعزل، والمهزلة أنه تم تعيينه سفيرا يمثل بلادنا في الأمم المتحدة، التكريم يطال الفاسدين فقط، أما الشعب فلا حياة لمن تنادي كل يسبح في همّه، صدق الرجل عندما شخّص حالنا، تحوّلنا إلى مجتمع مستهلك ومنقاد، حتى ممثلي الشعب في المجالس من طينة من انتخبهم فأوّل ما يطالبون به هو رفع أجورهم المنتفخة أصلا مقارنة بما يأخذه خاصة الناس... بلاد العجائب بلادي كل شيء فيها صار مناقضا للطبيعي، المثقف في آخر الترتيب والأمّي هو المسيطر، أما المادة فأصبحت هي الدستور،لا شيء يعلو عليها، كم تمنّيت أن أعيش في بلد آخر، تبا لهويّتي تبا لعروبتي ماذا جنينا منها غير البؤس والشقاء بؤس يكبر معنا عبر التاريخ لا قيمة للإنسان عندنا ....؟
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.13)
يوم آخر أنتظر فيه الموت ولا أدري من أين سيدخل؟ تفصلني أوراق قليلة على إنهاء الجزء الثاني من المذكرات، توقّفت قبل يومين عن القراءة منذ قراءتي للسطور الأولى من الصفحة(30) حيث بدأ يتحدّث عن الوثائق وما تحويه من مصائب، لم أطق المواصلة وأنا أقرأ أسماء مهمة كانت تدّعي الوطنية وهي متورّطة بالقتل والسرقة... سلام عليك يا وطن ... أواصل الآن قراءتي وشيء ما يتحرّك بداخلي، الأسماء ثقيلة في هذه الصفحة وما فعلته أثقل...
لم يصرّح بتفاصيل الوثائق، ذكر أصنافها فقط، ففيها الحسابات البنكية وصور فوتوغرافية عن اللقاءات، ووثائق أخرى فيها أوامر وتصريحات ستجعلهم جميعها مذنبين أمام القانون والشعب ... لكن هل مازالت صالحة في عهدنا ...لا يهم كثيرا، فبعضهم لايزال حيا ويجب أن يدفع الثمن، ثم لا بد من تصحيح التاريخ، وتبيان خيانتهم وتقديم كل من تعامل معهم أو عرف بالأمر وتمريره إلى العدالة...الصفحة (35) نصفها تالف لا يظهر منها إلا عبارات قليلة وبعض الأرقام إنها لهواتف لكنها قديمة... لا أدري ما يريد من ورائها ربما أرقام أشخاص يعرفهم تراهم مازالوا على قيد الحياة، ربما ... أرقامهم غريبة تبدو كأرقام هاتف رأيت ما يشبهها في الماضي، أوربما تكون أرقام خزنات أو شيء ما خبّأ فيه الوثائق أو أرقام ملفات .. لا أظن الوصول إليها سهلا... ربما هي أرقام سيارات .... اللعنة وما شأني أنا بالأرقام لأكمل القراءة لعلي أجد تفسيرا مقنعا للأرقام ...
ذكّرتني الأرقام بالجامعة وأصدقائي الذين تبخّروا بعدها، كان أحد رفاقي في الغرفة يدرس محاسبة وتعامل كثيرا بالأرقام أذكره جيّدا كان اسمه خالد لدرجة أنه فقد صوابه قبل التخرّج بسبب أحد الأساتذة، ولولا تدخّل بعض الأطراف لتم سجنه لأنه ضرب الأستاذ، أكثر الأفكار تطرّفا كان هو من يقدّمها، مرة اقترح علينا مشروعا نعطيه للحكومة وهو أن نحوّل أسماء كل الشعب إلى أرقام... كل إنسان بدل أن نعطيه اسما نعطيه رقما، وحتى عند موته يُكتب رقمه على القبر بدل الاسم، وهكذا نعدم التشابه ولا تحدث مشاكل، ثم أننا في الهم سواء لا فرق بيننا... ويمكن للإنسان شراء رقم جيّد كأرقام الهاتف... حتى في الترقيم ستظهر المظاهر والتباهي، الإنسان أناني ومتباهي في طبعه...
لا أدري لمَ أصبحت سلبيا للغاية أرى كل شيء من عين الإبرة ربما ما أعانيه السبب..
الصفحات 37 و38 كلها ألغاز .. رجل لا ينتهي من تقديم الألغاز تراني أستطيع حلها.....
أقرأ ما تبقى من المذكرات وكلي عزم على التحدي وكشف المستور في الصفحة (36) يشير إلى رجل اسمه سلطان هو رجل أعمال معروف ... وفي الصفحات 37 و38 لغز الشطب لا أستطيع فك الرموز وأنا في هذا القبو ..
كميّة الماء كانت كافية لتُغرق الزنزانة وتجعلني أستفيق، فقد جلب الحارس خرطوم المياه لما رآني ممددا دون حراك، أخبرني بعد أن أفقت بأنه ظنني مت، لكن حركة صدري جعلته يتراجع عن التبليغ وقام برشي بالماء ... يبدو أني أنهكت نفسي بالقراءة وإعادة القراءة لتلك المذكرات، ولم أتناول طعامي لأيام لهذا انهارت قواي تماما... أول مرة يشفق عليّ الحارس وهو يقول: عليك أن تنتبه لنفسك لا أريد أن أكون سببا في موتك، الأوامر تقضي أن أحرسك وأطعمك... الأوضاع لا تسر يا ولدي... حافظ على نفسك..
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.14)
انصرف الحارس وترك لي بعض الفاكهة على الأرض، يبدو أنه أشفق على حالي، منذ زمن طويل لم أشاهد الفاكهة.. التهمت الموز بقشوره أشعر أني تحوّلت إلى وحش ...
مضت أيام وأنا أحتضن المذكرات البالية أقرأ وأعيد القراءة قافزا على الصفحة 39 لا أدري لماذا هي الصفحة الوحيدة التي لم أقرأها إلى الآن فقط اطّلعت على السطر الأول، كلما وصلت الصفحتين 37- و38 وما تحملان من محْو ملغّز أقفز إلى الأربعين دون النظر إلى 39 أبدأ مباشرة مع كلامه على الضاوية... وهو أجمل كلام ... ثم ما قد تحمل هذه الصفحة أكيد معاناة جديدة.....؟
منذ يومين لم أعد أسمع شيئا ينبعث من فتحة التهوية وكأن السوق توقّفت، حتى مواء القطط لم أعد أسمعه في الليل أتراه العيد... لا أظن لو كان كذلك لسمعتهم قبل أيام يتكلّمون عنه ... أشعر أن أمرا ما يحدث حتى الحارس رأيته مرتبكا، فلم يراقبني منذ يومين هو يأتيني بالأكل ويذهب، وآخر جملة قالها آخر مرة وهو من خلف باب الزنزانة أزعجتني كثيرا، في أنه سيحضر لي ما يكفيني لثلاثة أيام من طعام لأنه يجب أن يخرج في عمل مهم، وأنه لا أحد سيهتم بي ولا أحد سيسمعني... غضبت كثيرا قلت له ماذا إذا لم ترجع، فنهرني وقال ستموت أيها الوغد، كان يتمتم بكلمات لم أفهمها ..
الطعام الذي جاء به اليوم يكفيني لأكثر من أسبوع خبز مجفف وأكل مصبّر .. تراه رحل ولن يعود وسيتركني أموت جوعا ووحدة... أم أنهم سينفذون حكم الإعدام فيّ بهذه الطريقة البشعة، حاولت أن أستفهم دون جدوى، يبدو من عينيه حزن وهلع لا أدري ما يجري من حولي ... أظنها نهايتي...
مضى يومان ولا أحد أتى، ربما ينتظرون موتي، لكن أنا لم أفعل شيئا، لم يحققوا معي كيف سأموت بلا محاكمة.. ماذا لو صرخت أو ضربت الباب بقوة ربما يسمعني أحدهم سأشير إلى الكاميرا
لا جدوى أنا أصرخ لأكثر من ساعة لا أحد يجيب... قلبت الزنزانة أحاول فتح الباب .... جسدي يرتعش تذكّرت صعقة الكهرباء في أيامي الأولى، مرة واحدة كانت كافية لتردعني كل هذه الفترة يبدو أن بافلوف مخطئ أو ربما لست حيوانا عاديا، وقد أكون،... الأيام تسير بسرعة رغم قساوتها كانت صدمة الكهرباء بمثابة المنبّه لفتح دماغي للقراءة وإعادة القراءة ثم دخولي في تجربة هذه المذكّرات التي لا تنتهي إنها تجربة حياة....
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.13)
لم يصرّح بتفاصيل الوثائق، ذكر أصنافها فقط، ففيها الحسابات البنكية وصور فوتوغرافية عن اللقاءات، ووثائق أخرى فيها أوامر وتصريحات ستجعلهم جميعها مذنبين أمام القانون والشعب ... لكن هل مازالت صالحة في عهدنا ...لا يهم كثيرا، فبعضهم لايزال حيا ويجب أن يدفع الثمن، ثم لا بد من تصحيح التاريخ، وتبيان خيانتهم وتقديم كل من تعامل معهم أو عرف بالأمر وتمريره إلى العدالة...الصفحة (35) نصفها تالف لا يظهر منها إلا عبارات قليلة وبعض الأرقام إنها لهواتف لكنها قديمة... لا أدري ما يريد من ورائها ربما أرقام أشخاص يعرفهم تراهم مازالوا على قيد الحياة، ربما ... أرقامهم غريبة تبدو كأرقام هاتف رأيت ما يشبهها في الماضي، أوربما تكون أرقام خزنات أو شيء ما خبّأ فيه الوثائق أو أرقام ملفات .. لا أظن الوصول إليها سهلا... ربما هي أرقام سيارات .... اللعنة وما شأني أنا بالأرقام لأكمل القراءة لعلي أجد تفسيرا مقنعا للأرقام ...
ذكّرتني الأرقام بالجامعة وأصدقائي الذين تبخّروا بعدها، كان أحد رفاقي في الغرفة يدرس محاسبة وتعامل كثيرا بالأرقام أذكره جيّدا كان اسمه خالد لدرجة أنه فقد صوابه قبل التخرّج بسبب أحد الأساتذة، ولولا تدخّل بعض الأطراف لتم سجنه لأنه ضرب الأستاذ، أكثر الأفكار تطرّفا كان هو من يقدّمها، مرة اقترح علينا مشروعا نعطيه للحكومة وهو أن نحوّل أسماء كل الشعب إلى أرقام... كل إنسان بدل أن نعطيه اسما نعطيه رقما، وحتى عند موته يُكتب رقمه على القبر بدل الاسم، وهكذا نعدم التشابه ولا تحدث مشاكل، ثم أننا في الهم سواء لا فرق بيننا... ويمكن للإنسان شراء رقم جيّد كأرقام الهاتف... حتى في الترقيم ستظهر المظاهر والتباهي، الإنسان أناني ومتباهي في طبعه...
لا أدري لمَ أصبحت سلبيا للغاية أرى كل شيء من عين الإبرة ربما ما أعانيه السبب..
الصفحات 37 و38 كلها ألغاز .. رجل لا ينتهي من تقديم الألغاز تراني أستطيع حلها.....
أقرأ ما تبقى من المذكرات وكلي عزم على التحدي وكشف المستور في الصفحة (36) يشير إلى رجل اسمه سلطان هو رجل أعمال معروف ... وفي الصفحات 37 و38 لغز الشطب لا أستطيع فك الرموز وأنا في هذا القبو ..
كميّة الماء كانت كافية لتُغرق الزنزانة وتجعلني أستفيق، فقد جلب الحارس خرطوم المياه لما رآني ممددا دون حراك، أخبرني بعد أن أفقت بأنه ظنني مت، لكن حركة صدري جعلته يتراجع عن التبليغ وقام برشي بالماء ... يبدو أني أنهكت نفسي بالقراءة وإعادة القراءة لتلك المذكرات، ولم أتناول طعامي لأيام لهذا انهارت قواي تماما... أول مرة يشفق عليّ الحارس وهو يقول: عليك أن تنتبه لنفسك لا أريد أن أكون سببا في موتك، الأوامر تقضي أن أحرسك وأطعمك... الأوضاع لا تسر يا ولدي... حافظ على نفسك..
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.14)
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.14)
انصرف الحارس وترك لي بعض الفاكهة على الأرض، يبدو أنه أشفق على حالي، منذ زمن طويل لم أشاهد الفاكهة.. التهمت الموز بقشوره أشعر أني تحوّلت إلى وحش ...
مضت أيام وأنا أحتضن المذكرات البالية أقرأ وأعيد القراءة قافزا على الصفحة 39 لا أدري لماذا هي الصفحة الوحيدة التي لم أقرأها إلى الآن فقط اطّلعت على السطر الأول، كلما وصلت الصفحتين 37- و38 وما تحملان من محْو ملغّز أقفز إلى الأربعين دون النظر إلى 39 أبدأ مباشرة مع كلامه على الضاوية... وهو أجمل كلام ... ثم ما قد تحمل هذه الصفحة أكيد معاناة جديدة.....؟
منذ يومين لم أعد أسمع شيئا ينبعث من فتحة التهوية وكأن السوق توقّفت، حتى مواء القطط لم أعد أسمعه في الليل أتراه العيد... لا أظن لو كان كذلك لسمعتهم قبل أيام يتكلّمون عنه ... أشعر أن أمرا ما يحدث حتى الحارس رأيته مرتبكا، فلم يراقبني منذ يومين هو يأتيني بالأكل ويذهب، وآخر جملة قالها آخر مرة وهو من خلف باب الزنزانة أزعجتني كثيرا، في أنه سيحضر لي ما يكفيني لثلاثة أيام من طعام لأنه يجب أن يخرج في عمل مهم، وأنه لا أحد سيهتم بي ولا أحد سيسمعني... غضبت كثيرا قلت له ماذا إذا لم ترجع، فنهرني وقال ستموت أيها الوغد، كان يتمتم بكلمات لم أفهمها ..
مضى يومان ولا أحد أتى، ربما ينتظرون موتي، لكن أنا لم أفعل شيئا، لم يحققوا معي كيف سأموت بلا محاكمة.. ماذا لو صرخت أو ضربت الباب بقوة ربما يسمعني أحدهم سأشير إلى الكاميرا
لا جدوى أنا أصرخ لأكثر من ساعة لا أحد يجيب... قلبت الزنزانة أحاول فتح الباب .... جسدي يرتعش تذكّرت صعقة الكهرباء في أيامي الأولى، مرة واحدة كانت كافية لتردعني كل هذه الفترة يبدو أن بافلوف مخطئ أو ربما لست حيوانا عاديا، وقد أكون،... الأيام تسير بسرعة رغم قساوتها كانت صدمة الكهرباء بمثابة المنبّه لفتح دماغي للقراءة وإعادة القراءة ثم دخولي في تجربة هذه المذكّرات التي لا تنتهي إنها تجربة حياة....
الطعام الذي جاء به اليوم يكفيني لأكثر من أسبوع خبز مجفف وأكل مصبّر .. تراه رحل ولن يعود وسيتركني أموت جوعا ووحدة... أم أنهم سينفذون حكم الإعدام فيّ بهذه الطريقة البشعة، حاولت أن أستفهم دون جدوى، يبدو من عينيه حزن وهلع لا أدري ما يجري من حولي ... أظنها نهايتي...
لا جدوى أنا أصرخ لأكثر من ساعة لا أحد يجيب... قلبت الزنزانة أحاول فتح الباب .... جسدي يرتعش تذكّرت صعقة الكهرباء في أيامي الأولى، مرة واحدة كانت كافية لتردعني كل هذه الفترة يبدو أن بافلوف مخطئ أو ربما لست حيوانا عاديا، وقد أكون،... الأيام تسير بسرعة رغم قساوتها كانت صدمة الكهرباء بمثابة المنبّه لفتح دماغي للقراءة وإعادة القراءة ثم دخولي في تجربة هذه المذكّرات التي لا تنتهي إنها تجربة حياة....
إنه لا يُكسر، سمْكه كبير، كسرت رجل السرير وهو عالق ...بلغ الماء أكثر من 30 سم كلها ساعات وسيغمر المكان، أي لعنة أصابتني؟ أتخيّلني منذ محنتي وأنا أؤدي دورا في فيلم أكشن، لكنني لست بطلا وبلا قضية أنا إنسان عادي، مواطن، لمَ يحدث لي هذا؟ .... أسير بخطى متثاقلة سأجلس فوق المكتب الحديدي في الزاوية، سأجعل الكتب حولي قرأتها مرات عديدة، أصبحت أفضل صديق لي في زنزانة الوحدة، سأكون سعيدا وأنا أضمها وأدخل في التجربة الأخيرة إلى الموت ... كتاب ألف ليلة ولية حكاياتها لا تختلف عن حكايتي، أنا أيضا يا شهرزاد أعاني من الظلم وعندي اشتراطات الجن، وكل الخوارق في بلادي موجودة.....
هذا كتاب الأغاني للأصفهاني رغم ما يحمله من تاريخ إلا أنه لا يختلف عن ألف ليلة ولية ... نحن العرب نحب الحكاية... الحكاية غوايتنا نعشق المتطرّف نصنع من اللاشيء قصة ونصدقها، نعبدها.....
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.15)
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.15)
مستوى الماء يزيد والهواء يقل هل سأموت غرقا أم اختناقا كلاهما موت ... رحل الخوف، لعل الموت أفضل، الكل في الخارج مثلي لكن تسارعي نحو الموت أشد، جميعهم في زنزانات أكبر / العمل.. السكن..الأكل.. الظلم ...
كتاب الجريمة والعقاب خلف ظهري أتكئ عليه، أتذكر العبث، أتذكّرك يا روديون راسكولينكوف .. كما أتذكّر صوفيا سيمونوفنا أو صونيا أو أي اسم آخر لها كلما ذكرها أحببتها رغم ما تفعل لا أدري لمَ نتعاطف مع شخصيات دون أخرى كلما قرأنا عملا فنيا، هل لأنها تشبهنا؟ أو تمثل أشخاصا نحبّهم؟ مشاعر مختلطة... البطل لم يعجبني مطلقا... هل سانت بطرسبورغ تشبه بلادي هل نعيش كشخصيات دوستويفسكي هل نموت من أجل لا شيء هل أظلمت صباحاتنا....؟؟
أبتسم لحالي وأنا أرى كتاب جدد حياتك للغزالي متى سآخذ بالنصائح وأي مدينة فاضلة ستأويني إننا في بحر متلاطم، الويل لنا جميعا...
يظهر كتاب بلاغات النساء من بين الكتب كأنه يريدني أن أحمله بين يدي، أذكر جيّدا خطبة الزهراء كيف تحدّت الجميع هل آخذ من قبسها ... تراها هل هي الضاوية التي اختفت وأمل ظهورها هو ما يدفعني للمقاومة... أحمل الكتاب أضعه مع جدد حياتك ربما أستطيع أن أقاوم وإن مت سأموت بشرف ... أموت وأنا غير نادم فقد أصبحت السالك لطريق الحق إنه البعث الجديد لي...
لدي رغبة شديدة في الغناء والرقص لعلها أجمل ميتة، وأنا أسخر من الوجود أذكر أغنية الفنان الشعبي المصري حسن الأسمر كتاب حياتي .... لا أريد أن أحزن في هذه اللحظات عليّ تحدي الموت...
أنا لست خائفا أيها الموت، أنا الإنسان العربي، أنا العظيم، أنا الذي قهر الفرس والروم، أنا من انتشر كالوباء في كل مكان، انحني أمامي أيها الموت وقبّل قدمي، لستَ من يقرّر رحيلي أنا من يفعل لن أخافك لن أخاف السجن... أنا الرجل القادم من الشرق أو من الغرب لم تعد الاتجاهات تهم في مركز الموت، إنها اللحظات الأخيرة أشتاق للسجائر ... ألا يُسأل الإنسان قبل أن يُعدم عن رغبته الأخيرة لو سُئلت سأختار أن أدخن سيجارة أو أن أرقص على أنغام صاخبة وأستمر في الرقص وأنا أموت....
أريد أن أغيض الموت، أريه أني لا أخافه، فهو ليس سوى مرحلة سأنتقل بعده إلى عالم آخر، ربما هو أفضل، الموت في حد ذاته تجربة تستحق المغامرة ... سأقف على الطاولة.. المياه تغمر المكان والهواء يتضاءل ربما لن أقاوم لأكثر من ساعة، سأقف وأرقص أرقص أرقص على الطاولة، أرى الكتب تحتي تسقط واحدا تلوى الآخر، أتعمّد دفع بعضها برجلي إلى الماء، منظرها مثير والماء القذر يبتلعها كما سيبتلعني بعد لحظات... ها هو ديستوفسكي يغرق... كتاب السياسة لأرسطو يتشبّث بالحياة هههه إنه يخاف الغرق، لكن دون جدوى يبتلعه الماء أخيرا.... ابتلعه؛ بتعاليمه بالمجتمع السياسي بالملكية بكل التفاهات الفكرية التي لن تتحقق ولن يُسيطر العقل والمنطق على الوجود، إنه قانون الأقوى، نحن محكومون بالمصالح والبقاء للأقوى والإنسان ليس إنسانا اجتماعيا، وهاهو مثال يا أرسطو، أنا جرذ أعيش لوحدي منذ زمن والمجتمع لا يُبالي بي، لا أحد يسأل عني، سأموت سأرحل كما جئت نكرة في مجتمع نكرة، أي النُكت التي نعيشها ... لعل جاك دريدا محق هاهو كتابه يغرق أخيرا تمنّيت أن أنقذه من الغرق لكن لا بأس سأكون معه في القاع بعد لحظات، ما حيّرني وجود عدد من كتب هذا العدمي في هذه الزنزانة، وهي باللغة العربية وترجماتها حديثة أي أنها دخلت بعد الألفين تراه سُجن شخص آخر بعد صاحب المذكرات... لا يهم الأمر الآن، فيبدو أني الأخير، فالمكان لن يكون صالحا بعد الآن.... الموت الأخير إذن أيتها الزنزانة أنا الرجل الأخير الذي ستبتلعينه، شرف كبير أن تكون الفارس الأخير المستقيل من معركة الحياة.....
موت على وقع الرقص والغناء... لعله من المهم أن أتذكّر الله الآن، في العادة ينطق الميت بالشهادتين، سأفعل، هل ستكون مفتاح الدخول السلس إلى العالم الآخر، لكن لا أحد سيصلي عليّ؟ هل سيقبلني الله بلا صلاة؟ هل سيقبلني بلا كفن؟ ...
سأخبره أنني كنت مستعجلا ولم يُسعفني الوقت كي أخرج من السجن أو أهرب وأموت في فراشي كي يُصلي عليّ الناس، كما أني لا أملك ثمن الكفن حتى لو هربت من السجن، لهذا اخترت البقاء في هذا المكان، لعلني سأموت بشكل مختلف في المرة القادمة ... هل هناك مرة أخرى؟ هل ستكون مشابهة لهذه المرة؟
لا أظن.... سيعطيني الله فرصة الاختيار المرة المقبلة كي يكافئني على صبري في عالم اُضطهدت فيه كثيرا، عالم ظلمني ولم يُنصفني أنا أطالب بالتعويض.... سأكون ملكا أو رئيسا، كلاهما متشابه في بلادنا.. لا..لا المُلْك مهنة مملّة أن تحكم الناس وتضطهدهم طول الوقت لا أحد يحبّك الجميع يتملّق لك لأنه يخشاك... مهنة سيئة سأكون إذن ابن الرئيس على الأقل أفعل ما يحلو لي دون قيد وشرط، سأضرب الوزراء بالعصا سأصفعهم ... لكن لا... هذه أيضا غير مقبولة، ففي النهاية سأصبح رئيسا وأعود لأصل المشكل، ربما ضابط مخابرات كي أُرهب الناس وآكل وأشرب بلا مال، لكن لا أطيق الظلام ... سأكون فلاحا لكن الأرض متعبة خصوصا ونحن نتقاسمها معهم... تاجر أفضل مهنة تاجر ملابس نسائية وسأتزوج أربع نساء (شرع الله) سأصبح أسطورة .. لكن الأولاد والنساء ومشاكلهن لا أريد ...
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.16)
... أمر محيّر أن تحتار في اختيار البعث القادم ... لكن لماذا أعيد بعثي في العالم العربي.. يا لغبائي لو رجعت سأكون في بلاد أخرى ربما.... ألمانيا، سأتمتّع بالحرية والسكن والعمل وامرأة شقراء جميلة كل شيء عندهم جميل، لا أظن أن بلادهم تحمل القبح، سأكون إذن ألمانيّا، ولا يهم العمل الذي سأعمله عندهم، المهم أن أكون بعيدا عن هذه البلاد على الأقل سأموت محترما لا كالجرذان في الأقبية... لكن لوني وشكلي اففف لا أظنني سأبعث عندهم، سأُبعث عربيا مرة أخرى، يا ويلي سأقول لله أفضل البقاء هناك لا أريد العودة مهما كانت البلاد العربية ..... ولو فُرضت عليّ العودة لأي منها سأعود في صفحة حيوان أو حشرة، على الأقل لن يُجبرني أحد على فعل ما لا أريد، ولن يحدّوا سيري بجوازات السفر، فلم أصادف في حياتي حمارا أو كلبا عربيا طلبوا منه جواز السفر وهو ينتقل بين البلاد العربية الكل يسير بحرية، فقط نحن البشر، بهذا سأكون حيوانا أو ربما حشرة على الأقل لن أطيل البقاء في هذه البلاد، حياتي تدوم لبضع ساعات فقط أو يومين على الأكثر ... حشرة ليلية تراقب الجميع وتسير بحرية في الشوارع أقفز وأطير دون قيد، أدخل لكل المنازل أزور غرف النوم لا أحد يبالي بي ثم أموت بسعادة ...
(للتفاعل وإضافة مسارات جديدة اضغط هنا/ اكتب الرمز مع الرسالة.16)
... أمر محيّر أن تحتار في اختيار البعث القادم ... لكن لماذا أعيد بعثي في العالم العربي.. يا لغبائي لو رجعت سأكون في بلاد أخرى ربما.... ألمانيا، سأتمتّع بالحرية والسكن والعمل وامرأة شقراء جميلة كل شيء عندهم جميل، لا أظن أن بلادهم تحمل القبح، سأكون إذن ألمانيّا، ولا يهم العمل الذي سأعمله عندهم، المهم أن أكون بعيدا عن هذه البلاد على الأقل سأموت محترما لا كالجرذان في الأقبية... لكن لوني وشكلي اففف لا أظنني سأبعث عندهم، سأُبعث عربيا مرة أخرى، يا ويلي سأقول لله أفضل البقاء هناك لا أريد العودة مهما كانت البلاد العربية ..... ولو فُرضت عليّ العودة لأي منها سأعود في صفحة حيوان أو حشرة، على الأقل لن يُجبرني أحد على فعل ما لا أريد، ولن يحدّوا سيري بجوازات السفر، فلم أصادف في حياتي حمارا أو كلبا عربيا طلبوا منه جواز السفر وهو ينتقل بين البلاد العربية الكل يسير بحرية، فقط نحن البشر، بهذا سأكون حيوانا أو ربما حشرة على الأقل لن أطيل البقاء في هذه البلاد، حياتي تدوم لبضع ساعات فقط أو يومين على الأكثر ... حشرة ليلية تراقب الجميع وتسير بحرية في الشوارع أقفز وأطير دون قيد، أدخل لكل المنازل أزور غرف النوم لا أحد يبالي بي ثم أموت بسعادة ...