مقهى الخليج
خرجت من المحل وبطني تتدلى ولأقرب مقهى اتجهت لأتسلى، ودخلتُ
فوجدتُ الناس متجمهرين على علبة فيها رجل يتكلم وصوته يعلو.
قلت لفتى بجانبي: ما هذا؟ فقال: هذا حاكم الغرب يخطب.
فقلت: أهم في عيد، أم للحرب يعْصِب؟
فقال: بل للحرب يا هذا ألا تعيش في عالمنا؟ أم بي تسخر.
فقلت: معاذ الله يا أخينا لكن لا علم لي بما يجري في أراضينا.
فقال: إذن فاسمع، هذا الذي تراه حاكما للغرب على العراق سيشن
الحرب.
فقلت: أتقصد عراقنا، البصرة وكربلاء والنجف والكوفة ومهد
حضارتنا...
قال: ألنا عراق أخرى غيرها؟
فقلت: وماذا يصنع قادتنا اليوم في حربنا مع الغرب؟
فقال: ككل مرّة، أحدهم يدعي الكرب، والآخر يقول أنّ بي أزمة
قلب، وثالثهم يقول لا أتقن فن الحرب وبعضهم الآخر دوما خارج السرب.
فقلت: أيعني هذا أننا لن نحارب، وسنبقى كالأرانب؟
فقال: بل قل جنادب فالأرانب فيها فائدة ونحن لا فائدة فينا إلا
للثعالب.
فساءني ما قال الفتى، واغتظت ثم لم أدري إلا وعلى العلبة قفزت،
كنت أريد تحطيمها والكل يصرخ من حولي: جنّ الرجل جنّ الرجل ..
أمسكوا بي وهدءوا من روعي وأتاني شيخ وقال: ماذا دهاك يا ولدي؟
أتريد تحطيم الجهاز... هذا لن يقتل بوش ولن يؤذيه...
فقلت: اسمه بوش؟ فقال الشيخ : هو بوش وكلهم بوش ومن كفر بملتنا
بوش وكلهم يدخلون في زمرة الوحوش...
فالتفت إلى العلبة السحرية، وذاك الحقير مازال يرطن بخطبته،
فقلت أضعف الإيمان أن أهجوه وذاك أقوى ما أملك من سلاح، ثم قمت وعلى الكرسي وقفت،
والكل لي ناظر فقلت:
وساد الأرض ملك جديد، أحمق والخير عنه بعيد، عجوز خرف في مخه الصديد،
لا يوافق إلا رأيه العنيد، بوش ذاك لقبه اللعين، احمّر وجهه من دمائنا سمين، وقلبه
لا يعرف رحمة حتى بالجنين، يكشر أنيابه كالتنين، يمزّق هذا الضعيف وذاك المسكين،،
ألا قطّعَه الله بأصدئ سكين، يدّعي الحرية
وهو من الكاذبين، حقير جشع من المنافقين، أصله فأر ويظن أنه من السلاطين، آه ليتني
أقود جيش المسلمين، وأغزوه ليذوق طعم الذل الذي جرّعه للملايين، وأحطم صنمه فتنتهي
كذبته، وأفعل كما فُعل في حطين، ويعم سلام الحق لا سلام المزيفين، سلام كما أراده
ربّ العالمين، فيعيش الكل سعيدا إلى يوم الدين.
صفّقَ الحضور، وأولهم الشيخ المسكين، وقال كل ما تشربه على
حسابي،
فطلبْت مباشرة حلوى وشاي حتى لا يعود عن كلامه، وفي الأصل لم
أكن لأدفع لصاحب المقهى حسابه، وكنت بعذر من الأعذار سأواجه عتابه.
وما كدت أنتهي من شرب الشاي، حتى رأيت أربعة رجال ظرفاء يدخلون
المقهى، فتفرق الجميع، وكأنهم رأوا أشباحا في الظلماء، فأمسكني اثنان وقال الثالث:
سِرْ ولا تحدث غوغاء، فقلت : لأي مكان سنذهب يا رفقاء؟ فقال: إلى بيت الأنس لتقضي
ليلة حمراء، فقلت: لا، لا أرجوكم، أنتم كرماء، فقد أكرمني الشيخ وهذا يكفيني وإلا
سأصاب بالخيلاء..فقال: من أكرمك من هؤلاء الجبناء؟ فقلت: ذاك الشيخ صاحب العمة
البيضاء. فاتجه له أحدهم وقال: عليك مرافقتنا يا كريم الكرماء، فقال الشيخ وهو
يرتجف: لا لا لم أكرمه، بل قلت له ارحل وكنت سأضربه ضرب التعساء.
فقلت: لِمَ تكذب يا شيخ، فكل ما طلبت كان على حسابك ونصفه على
صاحب المقهى.
فقفز صاحب المقهى وأمسك عنقي وهو يقول: لا... لا لم أعطك شيئا
ولا شربة ماء..
فقال أحدهم: وأنت أيضا عليك أن ترافقنا يا صاحب الكرم والعطاء.
فقلت: ما دمتم ستكرمون كل من أكرمني وساعدني على البقاء، فسأدللكم
على صاحب مطعم وغلمانه لا يشعر الفقير معهم بجوع أو شقاء.
فقال: أحدهم لصاحبه: سنذهب إلى لمّ شمل الأصدقاء.
فقلت: وأنا معكم فلا أحب أن أقضي ليلة حمراء بدون الرفقاء.
فصعدنا سيارة سوداء، لا تبصر في داخلها إلا سوادا، ووجوه كَفِرد
الحذاء، عليهم تكشير، كأنهم فقدوا أحد الأعزاء، واتجهنا حيث أشرت للمحل وصاحبه،
ليأخذوهم خلفنا، وما هي إلا لحظات حتى وصلنا إلى بيت كبير لونه أسود، ودخلنا
وليتنا ما فعلنا، فمذ أول خطوة خطونا، إلا والضرب ينهال على وجوهنا وظهورنا
وبطوننا من أعلانا إلى أسفلنا، والشيخ يصرخ ويقول: لم أعطك شيئا، لعنك الله، ثم
أنا أحب بوش وكل الأخوة الغرب أحبهم كل الحب، ولكن لم يتوقف الضرب ...
وصاحب المقهى يعوي كالذئب ويقول: أنا أكذب... بل هو يكذب.
أما صاحب المحل فملقى على بطنه وأحد زبانية الضرب على ظهره
يرفس ويقول: سياسة سياسة، هذه هي التعاسة،
وغلمانه معلقين على مرمى البصر، وأحدهم يصرخ: كنا نبيع لحم الحمير، لا دخل لنا
ببوش ولا بالوزير...والأخر يندب قائلا: كلّه منكَ يا وجه النحس، أنت من أوصلتنا لهذا
الحال.. وما حيّر الضاربون أني كنت أضحك وكلما اشتد الضرب زدت قهقهة، فتقدم مني
أحدهم وبدا لي من هندامه أنه زعيمهم، وقال: ما يضحكك يا .... أتدعي الجنون لن
نرحمك، فقلت الرحمة بيد الله لا بيدك، أما الجنون فلست بمجنون ولا أكلت على عقلي
السنون، ولكني أضحك عليك وعليهم، فقال: وما الذي يضحك فينا؟.