كهف الحياة
رميت في الحفرة، ولحسن حظي قمت بفك جزء من قيودي قبل رميي، وما إن رميت قمت بفك باقي القيود، وعند نزولي الحفرة كان المنظر مفزعا بين الجثث المتفحمة، كنت أسمعهم في الأعلى يقولون أوقدوا نارا كبيرةً كي نتخلص من ابن الشيطان... لم أكن أفكر في الصعود إليهم لأنهم كانوا سيقتلونني حتما... كان عليّ التفكير بسرعة .. هنا حدث ما أنقذني فقد هبت نسمات من بين الجثث كان هواء مندفعا في باطن الأرض، عرفت أن هناك ممر ما فأبعدت بعض الجثث وبدأت الحفر بأيادي الأربعة، سرعان ما فتحت فجوة في الباطن، كانت النار تستعر في الأعلى وهي في طريقها لتحرقني، ففتح ممر النجاة في الأسفل نحو باطن الأرض، تسللت بسرعة لأجد نفسي في كهف كبير تحت الأرض، وسدّت الحفرة خلفي بفعل سقوط النيران وما حملت معها من حجارة وخشب... انقطع الضوء سريعا، ولم يكن ذلك عائقا أمامي، فقد تعوّدت على الرؤية في الظلام وهنا تركت خلفي كل شيء، الكهف منفتح على تجويف تحت الأرض يمتد لأميال تحت الجبال المحيطة بالقبيلة، ظللت أهيم داخله، غذائي على ما أجده من جذور وحشرات وبعض الحيوانات ابتعدت كثيرا على نهاية البئر، غصت في عمق الجبل من الداخل... لم يزرني في كهفي أحد يبدو أن لا أحد على علم بهذا المكان و كل ما كان يشغلني مصير أمي.. فأكيد أنهم قتلوها بعدي ، أعرف أنهم لا يتحملون بقاء المختلف عنهم كثيرا ..
(للتفاعل وإضافة مسارات نصية للقصة اضغط هنا وأرسل الرمز التالي مع الرسالة 03)
مضى الوقت دون أن أستطيع عدّه. كان وقتا طويلا... لا أدرك مروره إلا عبر تحسس جسدي الذي يكبر سرعة، حيث بدأ بعض الشعر يغطي ذقني... هل يتلاشى الزمن في مواطن الوحدة أم يجثم... زال إحساسي بالزمن تماما فأنام كلما شعرت بالتعب آكل مما أجد....بعد فترة بدأت أشعر بقوتي تكبر كلما كبرت، فصرت أستطيع كسر الصخور بيدي وأرفع أثقال كبيرة جدا... كما بدأت أرى أحلاما غريبة، صوت يناديني من عمق المغارة... إنه يوجهني نحو النور هذا ما كان يقول اتجه إلى النور...
لم يكن الكهف الذي أعيشه يحمل منافذ للضوء وكانت الجهة الوحيدة التي ينبعث منها نور خافت هي جهة الشرق، كنت أخاف الاتجاه إلى هناك فآخر مرة نظرت فيها من ثقب الحجر في بيتنا ماتت جدتي ورميت في البئر، لهذا كنت أخشى الاقتراب من تلك الجهة وأنزوي في الجهة المظلمة... لكن إصرار الحلم جعلني أحاول التجربة، فبدأت الاقتراب من جهة الشرق وصولا لموطن الضوء، تشجّعت مرة وصعدت إلى أعلى الجدار الذي يحمل الضوء نظرت من الثقب فأذهلني المنظر كانت أرضا خضراء حيوانات كثيرة أنا لم أر الحيوانات من قبل كنت أرى فروها في القبو فقط وبعضها محنط... عرفت الذئب والدب العصافير أيضا كان الهواء الداخل من الفتحة منعشا، كم تمنيت الخروج لكنني خفت من ذلك، بقيت في أعلى الجدار أتأمل حتى ذهبت الشمس ساد الظلام في الخارج كما في داخل الكهف... عدت أدراجي إلى عالمي الخاص، وصرت كل يوم اتجه إلى تلك الفتحة وأرى النور من خلالها، لاحظت حياة الحيوانات كيف تصطاد.. تتزاوج... وأحيانا كنت ابقى إلى ان يسود الظلام وأرى حيوانات الليل كانت مثيرة للغاية... رغم رؤيتي النور إلا أن الحلم مازال يأتيني بذات الشكل، في أحدى المرات وفي ظلام الليل في الخارج قررت أن أحاول الخروج على الأقل في الليل فالظلام مشابه لما هو عندي في كهفي، ولن يضرني الخروج.. استجمعت قواي وبدأت إزاحة الحجر نحو الفتحة لم يكن الحفر صعبا بالنسبة لي لحظات وكنت على مرمى من الخارج، وهنا وجدت ما غيّر مسار حياتي، إنهما سيفان مصقولان في قلب الصخر، لم أعرف من أين جاءا وكيف لهما البقاء في هذا المكان ولم يتلفا، هما معي الآن، مصنوعان بشكل مختلف حيث الفتحات السبع في كل منهما إنهما قويان جدا و بإمكانهما كسر الصخور بكل يُسر، فهما مصنوعان من فولاذ أو معدن خاص.. حملتهما وواصلت الحفر إلى أن خرجت من عمق الكهف كانت الفتحة التي صنعتها في أعلى التلة تطل على واد سحيق... وهنا بدأت مغامرتي الجديدة في عالم مختلف... يحتضنني ليلا فقط... أذكر أن أول الحيوانات التي التقيتها كانت الذئاب كان قطيعا كاملا، تقدّمت نحوهم فخافوا وتركوا طريدتهم حينها أدركت أنني تحولت إلى وحش حقيقي، بمرور الأيام تعوّدت الحيوانات على رؤيتي وصارت التلة والوادي ملكا لي لا أخرج إلا في جنح الظلام وأعود إلى كهفي مع أول خيوط الفجر... صرت أكثر تحكما بالسيفين وكأنهما مصنوعان لأجلي... ما حيّرني أن الحلم بقي يراودني ويدعوني إلى التوجه إلى النور...
مر زمن على حياتي بين الظلمتين إلى أن قررت يوما أن أبقى خارج كهفي وقت شروق الشمس... كان منظرها رائعا وهي تطل بين الجبال.. الهواء كان عليلا شعرت بسعادة كبيرة وأنا أرى خضرة الأعشاب تحت ضوء الشمس... لأول مرة أرى الفراشات.....
