فيلم/ حكاية حجر
بيان النوايا
جاءتني فكرة كتابة هذا السيناريو قبل سنوات حين كنت
طالبا في الجامعة وأعمل حارسا في إحدى الشركات في المنطقة، حيث كان باب الشركة مقابلا
لسور المقبرة، ولا يفصل بينهما إلا الشارع، وكان الرجل المجنون يجلس فوق السور
وأحيانا أسفله، ومن بعيد كنت أراقبه وهو يكلّم نفسه والحجارة وأي شيء أمامه، وسمعت
عن المجنون قصصا كثيرة، فبَلْوَرْت القصة ووَضَعْت أركانها الأساسية، ثم جاءت فكرة
تحويلها إلى سيناريو، باعتماد أسلوب البناء الثلاثي، حيث ينطلق السيناريو بتمهيد
مدته عشرون دقيقة أعرض من خلاله حالة الشخصية البطلة وكل أبعادها، ثم يأتي جزء
الوسط الذي قدمتُ خلاله رحلة المجنون وهو يتحوّل إلى حجر ومدته أربعون دقيقة، أما
الجزء الأخير وهو الحل وختام العمل، ففيه حوالي عشرون دقيقة أيضا حيث يصبح في يد
أحد الباحثين الفرنسيين، ويتحول في النهاية إلى غبار ويستيقظ من غيبوبته. من خلال
الفيلم أردتُ تسليط الضوء على شريحة مجتمعية مهمة في الجزائر، وموجودة في كل الوطن
العربي وتتمثّل في الشباب، الذين لا يملكون قاعدة تراثية يتكئون عليها ولا واقعا
مغريا يتعاملون معه، ولا مستقبلا مشرقا ينتظرونه، فقد سدّت الأبواب في وجه هذه
الفئة، لأسباب هم في الكثير من الأحيان ليسوا سببا فيها، فهي ظروف خارجة عن
نطاقهم، كالأنظمة السياسية والفساد والبيروقراطية، وغيرها من العراقيل التي تجعل
من حياة الشاب العربي مستحيلة في بعض البلاد، وهنا يضطر إلى الهجرة، وهي لمن
استطاع إليها سبيلا، والبقية يهاجر بطريقة مختلفة عبر تناول المخدرات بأنواعها، وقصة
هذا المجنون لا تختلف عن قصص الكثير من الشباب الجزائري والعربي، أراد الهروب
فاختار المخدرات التي أوصلته إلى الجنون؛ ليتخيل نفسه حجرا، وعبر رحلة شاقة يتفتّت
إلى غبار لأنه حجر كلسي بلا قيمة. من أجل معالجة هذه الإشكالية جاءت كتابتي هذا
السيناريو، فأنا أرغب في كشف ما وراء الجنون، وتعرية واقع اجتماعي مزرٍ في بلاد
عربية يحاول أهلها تغطيته بنفاق اجتماعي متعدد المستويات والأوجه، كما أريد
التركيز على التبعيّة للآخر وكيف يرانا مجرّد سلعة ولما نكون بلا قيمة عنده يفتتنا
إلى تراب وينثرنا في الريح، وهذا ما حصل لشبابنا بطرائق مختلفة. بالنسبة للفيلم أرغب
في تصويره سينمائيا عبر تقنيات كاميرا الواقع، كما أرغب في تقديم نمط مختلف في
الموسيقى التصويرية للفيلم، فهي تكون متضمَّنة في المشاهد واللقطات مع الحدث وليست
خارجية، حيث يكون التقديم واقعيا. من خلال الفيلم أردتُ إلغاء المسافة بين كرسي
المتلقي وشاشة العرض، أريده أن يكون داخل العرض في حركية الشخصيات وقريبا من
تفاصيلها، وهذا للتأثير عليه أكثر وإكساب العمل جمالية مختلفة. كما أحاول من خلال
الفيلم الابتعاد عن السرد والحوارات الجانبية لأترك الشخوص تقدّم كلّ شيء، ولعل
تأثري بالسيناريست والمخرج إرنست إنغمار برغمان -Ernest Ingmar Bergman جعلني أنتهج
هذه الرؤية في التقديم خصوصا ما تعلّق بالمسائل الوجودية كالموت والحياة. وجدوى
الوجود في ظل المعاناة، وأريد من الفيلم أن يكشف المستور، ويقول ما لا نستطيع قوله
في حياتنا، لعلّه بذلك يصل بالمتلقي إلى نوع من التصالح مع الذات والابتعاد عن
التلوّن.